حلّت اليوم في الفاتح من شهر كانون اول (ديسمبر) الجاري الذكرى العاشرة لوفاة الدكتور فتحي عرفات، شهيد المسيرة الإنسانية للشعب الفلسطيني، وباني، هو ورفاقه الأوائل، صرح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، التي سنحتفل بذكرى تأسيسها السادس والأربعين، في السادس والعشرين من الشهر نفسه الذي توفي فيها المغفور له د. فتحي عرفات.
إن حضور الجمعية الإنساني بين أوساط شعبنا الفلسطيني في داخل الوطن والشتات، وحضورها الفاعل في الساحتين العربية والدولية، هو ثمرة الجهود التي بذلها د. فتحي عرفات، ورفاقه من مؤسسي الهلال الأحمر الفلسطيني، والتضحيات التي قدموها وهم يبنون أساسات هذا الصرح الإنساني العظيم.
وعلى امتداد حياته الحافلة بالعطاء، ارتبطت انجازات الجمعية باسم المرحوم د. فتحي وتماهت شخصيته بكيان الجمعية وخدماتها الإنسانية لأبناء شعبه، بحيث أصبحت محور اهتمامه، وكانت على حساب حياته الخاصة، وحياة عائلته.
وبعبارة أخرى كان تطوير عمل الجمعية وتعزيز وتوسيع وتنويع خدماتها شغله الشاغل، فلا نبالغ إذا قلنا إن جلساته العامة والخاصة كانت تتمحور حول كيفية تعزيز أنشطة وفعاليات الجمعية لتشمل أغلب القطاعات الفلسطينية، ولا سيما الفئات المحرومة من أبناء شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومخيمات اللاجئين في سورية ولبنان.
لقد وظف المرحوم مكانته وإمكانياته للعمل الإنساني الفلسطيني، وكان حريصاً أشد الحرص على تمتين علاقات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بشقيقاتها العربيات، وبالمؤسسات الإنسانية والحقوقية، الأهلية والحكومية، وكذلك بالدول الأجنبية وبجمعياتها الإنسانية. ففي كل زياراته الخارجية، وهي كثيرة جداً، كان يكرسها كلها لخدمة أبناء شعبه.
وكان رحمه الله بارعاً في كسب الأصدقاء، من شتى الجنسيات، ليس لدوافع شخصية، وإنما بهدف تجييرها لصالح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، والقضية الفلسطينية.
وبفضل سماته تلك، ونشاطه الدؤوب، وحضوره الفاعل في المؤتمرات الصحية والإنسانية، العربية والأجنبية، استطاع الراحل أن يبرز الجانب الإنساني في نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال الوطني، ويجسد اسم فلسطين في أذهان الألوف الذين شاركوا في هذه الفعاليات، وبالتالي في المؤسسات التي يمثلونها.
وبهمة الشباب، التي كانت سمة بارزة ملازمة له طيلة حياته، حتى وهو قابض على الجمر، من شدة آلام المرض الذي ألمّ به، نجح هو وزملاؤه في المكتب التنفيذي للجمعية، في تمكين جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من أن تتبوأ مكانها الطبيعي في المؤسسات الإنسانية العربية والأجنبية، سواء بالعضوية الكاملة في المنظمة العربية لجمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر، أو تلك التابعة لدول عدم الانحياز، ولاحقاً، وبفضل جهود خلفه د. يونس الخطيب، رئيس الجمعية الحالي، أصبحت الجمعية في العام 2006 عضواً فاعلاً في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
وخلال ترأسه لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، لم يترك الفقيد أمور الجمعية للصدف، وإنما كان يبادر، هو ورفاقه، الى وضع الخطط والبرامج لفعاليات الجمعية وأنشطتها، على الصعد الإنسانية كافة، وبخاصة الصحية والاجتماعية، لتدارك الإرباك في العمل، وعدم تأثير الأحداث الطارئة، وهي كثيرة، على الخدمات التي تقدمها.
وكان للفقيد فلسفته الخاصة في خدمة الإنسان الفلسطيني، وتنمية قدراته.. فهي في نظره لا تقتصر على تقديم الجمعية لخدماتها الصحية والاجتماعية، فحسب، بل تعدتها لتشمل الجانب الروحي لهذا الإنسان، وتزويده بما يناسبه من "غذاء" ثقافي وفني لتكتمل الصحة لديه من جوانبها كافة.
لذا فقد خصص الفقيد جزءاً من عمله لتقديم هذه الخدمة لأبناء شعبه للتخفيف من معاناتهم. وبفعل هذه الفلسفة الصحية المتكاملة، التي ثبتت نجاعتها، على امتداد مسيرة الجمعية، أصبحت إحدى الآليات الرئيسية التي طبعت عملها.
وبالرغم من الخسارة الكبيرة التي لحقت بالجمعية، بفقدان المرحوم د. فتحي عرفات، إلا أن النهج الذي رسمه، وسار عليه أصبح نبراساً اهتدت به، وعملت على تطويره قيادة الجمعية، ورئيسها د. يونس الخطيب، والمتمثلة بالإنجازات الكبيرة التي تحققت بعد وفاة الدكتور فتحي.
إننا في الوقت الذي نتألم لفقدان هذه الشخصية الإنسانية الفذة، فإننا في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني فخورين بإنجازاته وبإنجازات رفاقه.