أوقدت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في السادس والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري شمعتها السابعة والأربعين، منهية 46 عاماً من مسيرتها الإنسانية المعبدة بالعرق ودماء الشهداء وأنّات الجرحى، ومع ذلك نجحت في بلسمة جراح الشعب الفلسطيني النازفة، سواء في الأرض الفلسطينية المحتلة، أو في مخيمات اللجوء في سورية ولبنان، وزرع البسمة على شفاه المرضى وضحايا الاعتداءات الإسرائيلية من الجرحى والمشردين.
وخلال العام الفائت (2014) شهدت الأرض الفلسطينية المحتلة، وبخاصة في قطاع غزة، حرباً عدوانية شرسة شنها الاحتلال الإسرائيلي على أبناء شعبنا هناك، كانت أفظع من الحربين العدوانيتين السابقتين (أواخر 2008 وأوائل 2009، و 2012)، ذهب ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء والشيوخ، وتشريد عشرات الألوف من المواطنين من بيوتهم التي دمّرها الاحتلال الإسرائيلي، خلال 51 يوماً متواصلاً من القصف الجوي والبري والبحري.
وطيلة أيام العدوان، لعبت كوادر ومتطوعو الجمعية، ومؤسساتها ومراكزها، ودوائرها المختلفة، دوراً انسانياً رائداً، في إسعاف وعلاج الألوف من أبناء شعبنا في القطاع، سواء من جرح منهم بفعل القصف الإسرائيلي، أو الذين نزحوا إلى المدارس بعد أن هدم الاحتلال بيوتهم.
وعلى الرغم من أن كوادر ومتطوعي الجمعية وأطقمها الطبية وسيارات الإسعاف التابعة لها، ومنشآتها، كانت مميزة بشارة الهلال، إلا أن القصف الإسرائيلي لم يرحمهم ولم يرحمها، حيث استشهد اثنين من مسعفيها المتطوعين، وجرح العشرات، وتدمير أو إعطاب أكثر من 27 سيارة إسعاف، وهدم أجزاء واسعة من عدد من مباني الجمعية في مناطق عديدة في القطاع، منتهكة عن عمد القانون الدولي الإنساني، واتفاقات جنيف، وبخاصة الاتفاقية الرابعة، التي تحرُّم هكذا أعمال بحق مؤسسات وأطقم مكونات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العاملة في الميدان، وتحمل شارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بمن فيها الهلال الأحمر الفلسطيني.
كما شهد العام الفائت توالي فصول الأحداث المأساوية المؤسفة في سورية، التي استهدفت أبناء شعبنا في المخيمات الفلسطينية في ذلك البلد، وبخاصة مخيم اليرموك، الذي ما زالت أجزاء منه محاصرة حتى وقتنا الحاضر.
ورغم التضحيات التي قدمتها كوادر الجمعية هناك، طيلة نحو أربعة أعوام، سواء في استشهاد سبعة من أطقمها، أو بالخراب الذي حلّ بعدد من منشآتها وسياراتها، وبخاصة مستشفى فلسطين في مخيم اليرموك، إلا أنها واصلت تقديم رسالتها الوطنية والإنسانية تجاه معاناة أبناء شعبنا، ليس في سورية، فحسب، وإنما تجاه النازحين منهم إلى لبنان، كذلك.
وبالروح والهمة نفسيهما، واصلت الجمعية أداء واجبها الوطني والإنساني تجاه أبناء شعبنا في الضفة الغربية، وبخاصة في مدينة القدس، التي تعرض سكانها الفلسطينيون، وما زالوا يتعرضون، لقمع قوات الاحتلال المتمثل بمصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات وهدم البيوت والاعتداء على الأماكن المقدسة، وبخاصة المسجد الأقصى، والاعتقال العشوائي للشباب والأطفال.
وبالرغم من القيود التي فرضها الاحتلال على عمل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في القدس المحتلة، إلا ان الجمعية نجحت في بلسمة جراح العشرات من الذين تعرضوا للقمع الإسرائيلي.
إن مسيرة الجمعية هذه، عبر أكثر من أربعة عقود ونصف، لم يكن لها أن تتطور وتنجح وتكتسب شهرتها الإنسانية محلياً وإقليمياً وعالمياً، بمعزل عن دعم شعبنا في داخل الوطن والشتات، ومؤسساته المعنية، الحكومية والأهلية، وعن دعم شركاء الجمعية، سواء من البلدان العربية الشقيقة، أو الأجنبية، أو من مكونات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، المتمثلة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر والجمعيات الوطنية.
ولا يسعنا بهذه المناسبة، إلا أن نتذكر الرواد الأوائل الذين بنوا هذا الصرح الإنساني العظيم، وفي مقدمتهم الشهيد د. فتحي عرفات، الذي هلّت في أوائل الشهر الماضي الذكرى العاشرة لاستشهاده. ونترحم في الوقت نفسه على أرواح أبناء الجمعية الذين استشهدوا وهم يقومون بواجبهم الوطني والإنساني تجاه شعبهم، ونحيي الجنود المجهولين من كوادر ومتطوعي الجمعية، سواء في ارض الوطن أو في المخيمات الفلسطينية، القائمة في سورية ولبنان، الذين ما زالوا ملتصقين بجمعيتهم، مجسدين رسالتها الوطنية والإنسانية على أرض الواقع خدمة صحية واجتماعية لأبناء شعبهم الفلسطيني، وكل محتاج.