بخطى ثابتة ونظرة ثاقبة نحو المستقبل يسير مستشفى القدس التابع للجمعية في غزة من تقدم إلى آخر، وذلك بفضل الرعاية الخاصة التي توليها له إدارة الجمعية لما يمثله من صرح طبي متميز، وعلامة مضيئة في سماء غزة الحالمة بمستقبل أفضل يليق بطموحات أهلها .
وفي هذا الاطار يقول د. بشار مراد، المدير التنفيذي للجمعية في محافظات قطاع غزة: "إن العمل جارٍ على قدم وساق لتطوير أقسام المستشفى المختلفة، وذلك ضمن الخطة التي تم وضعها مسبقاً بحيث يكون لدينا صرح طبي متقدم نستطيع من خلاله تقديم خدمات راقية ذات جودة عالية تساهم في رفع المستوى الصحي، وتحد في الوقت عينه من التحويلات الخارجية، وتخفف عن كاهل المواطنين ويلات السفر".
وأضاف: "إننا نسعى، منذ سنوات طوال، لتوطين العلاج في محافظات قطاع غزة، ولذلك شهد المستشفى نقلة نوعية في أقسامه ومرافقه كافة، نستطيع من خلالها تلبية احتياجات المرضى، والتي تم تتويجها بافتتاح مركز جراحة القلب والقسطرة".
وأشار مراد إلى أنه منذ افتتاح المركز في نهاية شهر تشرين أول (أكتوبر) من العام 2017 تمكنا من إجراء المئات من عمليات القلب المفتوح والقسطرة القلبية، سواءً العلاجية أو الاستكشافية. بالإضافة إلى تركيب عدد من الأجهزة الناظمة لضربات القلب .
وفي ظل هذه الإنجازات، تمكن الفريق الطبي في مستشفى القدس، برئاسة د. محمد كلوب، استشاري جراحة الأوعية الدموية والجراحة الدقيقة، من إجراء عملية جراحية عالمية ونوعية لأول مرة في فلسطين. وقد أجريت العملية حسب المعايير المتعارف عليها عالمياً، حيث خضع المريض عطا حمودة البالغ من العمر 63 عاماً من سكان محافظة شمال غزة، لعملية إزالة تضخم شريان الأبهر البطني مع إزالة الوصلة المعوية النازفة الإثنى عشر.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته الجمعية في قاعة المؤتمرات الكبرى في السادس والعشرين من الشهر الماضي (تموز) تحدث الدكتور محمد كلوب، عن الوضع الصحي للمريض الذي كان يُعاني من نزيف معوي حاد من الجهاز الهضمي العلوي والسفلي، بالإضافة الى حدوث إغماء وغياب عن الوعي، وبحالة هبوط حاد في الدورة الدموية.
وأضاف أنه تم نقل المريض إلى غرفة العمليات في مستشفى القدس، لوجود معدات عالية التقنية من أجل إجراء العملية فيه، وتم نقله إلى قسم الطوارئ، وتعويضه بالدم والسوائل المطلوبة، وكانت طواقم التخدير والعناية المركزة والتمريض في حالة جهوزية تامة .
وأشار كلوب الى أن العملية المذكورة أجريت بتاريخ 26/6/2020، واستمرت لمدة سبع ساعات، استخدمت فيها التقنيات العالمية الحديثة، حيث تم إجراء تبريد موضعي للكلية، وتبريد كامل للجسم، واستخدام مادة لاصقة في مناطق الوصل لتفادي النزيف. وتم التحكم بضغط الدم، عبر أجهزة مركزية داخل الشرايين، وجرى إغلاق الجرح ونقل المريض للعناية المركزة، وخرج المريض في اليوم الخامس من العناية المركزة إلى قسم الجراحة لاستكمال العلاج.
ولفت كلوب إلى أنه تم نقل أكثر من 20 وحدة دم للمريض خلال العملية، وخضع لعدة "كورسات" من المضادات الحيوية الواسعة الانتشار، ومن ثم أجريت له صورة مقطعية تبين من خلالها عدم وجود أية مضاعفات خلال فترة التعافي، التي تمت تحت المراقبة الطبية، وخرج من المستشفى بعد أسبوعين في صحة جيدة، ومن دون مضاعفات.
من ناحيته قال الدكتور وحيد قديح، المدير الطبي للمستشفى: "إن إدارة المستشفى سخرت كافة الإمكانات من أجل ضمان نجاح العملية، سواء كان ذلك عبر الأجهزة الحديثة المتوفرة في المستشفى، أو من خلال براعة وكفاءة فريق الأطباء المتخصص. مضيفاً أن هذه العملية الجراحية النوعية أجراها طاقم جراحة الأوعية الدموية والجراحة الدقيقة في مستشفى القدس، والتي تبين مدى دقة هذه العملية، ونجا منها عبر العالم أقل من عشرين مريضاً خلال 200 عام".
أما المريض عطا حمودة، الذي أجريت له العملية فقد أعرب عن بالغ شكره لطاقم المستشفى، وللدكتور محمد كلوب بصفة خاصة، على ما بذلوه من اهتمام ورعاية، خلال فترة علاجه ومكوثه في المستشفى. مشيراً إلى أنه تلقى خدمات صحية راقية، سواء من حيث الإمكانات أو من حيث الطواقم الطبية المدربة والمتخصصة، والتي ساهمت في سرعة استجابته للشفاء بفضل الله تعالى.
تجدر الإشارة إلى أنه تم تسجيل أول حالة مشابهة في العام 1843م في المملكة المتحدة، ومن حينها وإلى يومنا الحالي تم تسجيل 251 حالة على مستوى العالم. ويتراوح معدل الوفيات نتيجة لوجود مثل هذه الحالات ما بين 80 في المائة الى 100 في المائة وحتى مع وجود تدخل جراحي لمعالجة المشكلة فقد بلغت نسبة الوفيات بعد إجراء العملية ما يقارب 63 في المائة، ويعزى ذلك إلى صعوبة التشخيص والتدهور السريع للحالة.
جولة في مستشفى القدس
وخلال جولة لمجلة "بلسم" داخل مركز جراحة القلب والقسطرة في مستشفى القدس التقينا د. حسن الزمار، استشاري أمراض وقسطرة القلب، الذي أكد خلالها أهمية افتتاح هذا المركز، وذلك لما يحتويه من معدات وأجهزة طبية تعتبر من أكثر الأجهزة تطوراً على مستوى فلسطين والعالم. ويضم كذلك غرفتي عمليات خاصة بجراحة القلب مجهزة على أعلى المستويات العالمية ما يجعل من هذا المكان الذي طال انتظاره المكان الأمثل من قبل أطباء قسطرة وجراحة القلب لممارسة عملهم بشكل أفضل، والملاذ الآمن للمرضى الذين طالما عانوا من ويلات السفر للعلاج خارج القطاع، وما يتعرضون له من صعوبات على المعابر والحدود.
وفيما يتعلق بالتطور الحاصل في العلاج التداخلي، أو ما يعرف بـ"القسطرة العلاجية" بين الزمار بأنه حدث خلال السنوات العشر الماضية تطور كبير، حيث أنه من خلال فتحة صغيرة من الفخذ يتم إجراء اكبر عمليات القسطرة القلبية، كعلاج تمزق وتضخم الشريان، وتغيير الصمام الأورطي. وهذه كانت في السابق لا يمكن أن تتم إلا عن طريق جراحة القلب المفتوح، متمنياً في الوقت ذاته أن يتم أجراؤها في غزة في القريب العاجل .
وبخصوص الآفاق المستقبلية، ذكر الزمار بأننا نعمل جاهدين على أن يكون المركز مفتوحاً على مدار الساعة، وفي حالة جهوزية تامة لاستقبال مرضى حالات الجلطات الطارئة .
وعن المعيقات التي تواجه عمل الجمعية، عموماً، أوضح مراد أنه على الرغم من الإمكانات التي يتمتع بها المستشفى، إلا أن العوائق لا زالت قائمة أمام الطواقم الطبية، وتتمثل في الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، الأمر الذي يرهق الأجهزة الطبية، ما يجعلها عرضة للتعطل، وبحاجة الى إصلاح وصيانة دائمة. وفي حال كانت قطع الغيار غير متوفرة فإن المستشفى يجد صعوبة في إدخالها، ما يستدعي التنسيق لذلك. وهذا الأمر يستغرق أسابيع، ما يؤدي إلى عرقلة عمل الأطقم الطبية .
وتوجه مراد بالشكر والتقدير لكل من ساهم في تجهيز وإنشاء هذا المركز خصوصاً الشركاء في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر وخص بالذكر الهلال الأحمر الإماراتي والقطري والتركي، بالإضافة إلى الصليب الأحمر الايطالي .