مقدمة حول الشباب والمتطوعين
الجمعية من أولى المؤسسات في فلسطين التي جسدت وعززت فكرة العمل التطوعي
يعتبر العمل التطوعي في فلسطين جزءاً من تراث شعبها، حيث كان العمل التطوعي وما يزال دارجاً ومألوفا لدى الجميع، وكان الشعب يمارسه بفئاته كافة، وتجسد ذلك عبر ما كان يعرف بـ"العونة" في قطف الزيتون، وعقد سقوف البيوت وحصاد القمح والسمسم، وغيرها من الأعمال الجماعية التطوعية التي اتصف بها المجتمع الفلسطيني منذ القدم.
ولأنه واجب وطني، واجتماعي وانساني وديني، استهدف العمل التطوعي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الإنسان الفلسطيني، أصر رغم المعيقات الكثيرة، على تقديم العون والمساعدة لمن يحتاج اليهما دون مقابل.
ومع تطور المجتمع الفلسطيني تطورت "العونة"، مع حفاظها على شكلها ومضمونها، وعملت تحت اسم العمل التطوعي او التعاوني، واعتبرت الجامعات الفلسطينية العمل التطوعي احد مساقات التخرج، لما له من اهمية اجتماعية ومن فائدة، تعود على الفرد والجماعة، عدا عن أنه يعد سبباً من اسباب التطور والازدهار.
وشهد العمل التطوعي في فلسطين نقلة نوعية، من حيث المفهوم والوسائل والمرتكزات، نتيجة للوضع غير المستقر، المتمثل بوجود الاحتلال ، فتطور من مفهوم الرعاية والخدمة للمجتمع، إلى إحدى وسائل المساهمة في تغيير وتنمية المجتمع، حتى بات معيارا لقياس مستوى الرقي الاجتماعي.
ويعتبر التطوع من أبرز الركائز الأساسية التي تقوم عليها جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في العالم، عموماً، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، خصوصاً، نظرا لما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظروف خاصة نتيجة للاحتلال.
ويحظى التطوع بأهمية خاصة، كونه يساهم في تكافل المجتمعات ويتصدى للتحديات بشكل جماعي، وينمي روح المبادرة لدى الأشخاص، ويعزز انتماءهم لمجتمعاتهم ومؤسساتهم ومحيطهم على الصُعد كافة.
وهنا لا بد من الإشارة أيضا إلى أن التطوع هو أحد المبادئ الأساسية السبعة للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، والتي أعلنت رسميا في المؤتمر الدولي العشرين لها عام 1965، وهي: الإنسانية، وعدم التحيز، والحياد، والاستقلال، والوحدة، والعالمية، والتطوع.
وفي فلسطين والشتات، كانت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، من أولى المؤسسات التي جسدت وعززت فكرة العمل التطوعي، منذ تأسيسها رسمياً في أواخر العام 1968، مستلهمة في ذلك التراث الإنساني لجمعيات الهلال الأحمر الخيرية الفلسطينية، التي تأسست في الربع الأول من القرن الماضي، في مدن فلسطينية عديدة، وفي الفروع التي أنشئت عقب النكبة الفلسطينية في العام1948.
وكان التطوع جليا وواضحا، عبر المبادرات العديدة من قبل أطباء فلسطينيين، وفي مقدمهم المرحوم د. فتحي عرفات، عملوا بمبادرة ذاتيه على تأسيس عيادة طبية في مخيم ماركا القريب من العاصمة الاردنية عمان ، لتتوسع الجمعية بفضلها ،وتنتقل فكرة التطوع من الأردن إلى لبنان والى سوريا ، وتتعمق في أرض الوطن وتتعزز مع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994.
ولعب المتطوعون دوراً إنسانياً بارزاً في أثناء الاعتداءات الإسرائيلية على أبناء الشعب الفلسطيني في مخيماته ومدنه وقراه، وتجلى ذلك بوضوح خلال الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على لبنان عام 1982، والانتفاضتين الأولى والثانية في فلسطين، واللتين كان لجمعية الهلال الأحمر فيها لمسات إنسانية واضحة، في بلسمة جراح الشعب الفلسطيني، وتخفيف آلامه.
وقدمت الجمعية خلال مسيرتها العشرات من الشهداء الفلسطينيين والعرب والأجانب، الذين سقطوا على مذبح الإنسانية وهم يبلسمون جراح الشعب الفلسطيني، كان في مقدمتهم الطبيب المصري د. عبد الرحمن عودة الذي استشهد في أعقاب غارة إسرائيلية على محافظة إربد في الأردن عام 1969.
بهذه الروح المبدعة، واصلت الجمعية تعزيز مبدأ التطوع في الأوساط الاجتماعية الفلسطينية، وبخاصة لدى فئة الشباب تصقل طاقاتهم وتنمي مواهبهم، من خلال البرامج والمشاريع، لتغدو فئة الشباب أكثر عطاءً، ما انعكس ايجابا على وطنهم وعائلاتهم ومجتمعهم وجمعيتهم.
ووفق أحدث إحصائية، بلغ عدد متطوعي الجمعية من الشباب، في الضفة الغربية وقطاع غزة، أكثر من 9500 متطوع، من الجنسين، عدا عن مئات المتطوعين الشباب في كل من لبنان وسورية، إلى جانب المتطوعين العرب والاجانب الذين ينشطون في تنفيذ مختلف برامج ومشاريع الجمعية.
وفي فلسطين والشتات توج اهتمام الجمعية بالتطوع، عبر إنشاء دائرة فاعلة تعمل بتناغم مع باقي الدوائر والفروع والشعب في الجمعية ، والمؤسسات الشريكة في المجتمع الفلسطيني والعربي والدولي، من أجل الوصول الى أفضل النتائج في مجال العمل التطوعي والشبابي في فلسطين ومخيمات الشعب الفلسطيني في الشتات.
وتعزز عمل الجمعية في مجال التطوع ، عبر الاهتمام العالي بفئتي الشباب والمتطوعين، فعملت على إعادة تشكيل وهيكلة الدائرة على أساس مهني يسمح بالاهتمام والتركيز على هاتين الفئتين، ضمن برامج معدة بشكل مهني وعلمي مدروس، مراعية الاحتياجات العامة لفئة الشباب في المجتمع الفلسطيني، وباقي الفئات الاجتماعية، وفي رفد وتطوير العمل التطوعي.
وبدورها ، نشطت دائرة الشباب والمتطوعين في الجمعية في مجال دعم وتطوير الروح التطوعية لدى المجتمع، عموماً ،والتركيز على فئة الشباب في بناء واستثمار امكانياتهم في عملية التنمية الاجتماعية، وفي مجال تعميق الايمان ، بمبادئ الجمعية وأهدافها، خصوصاً، من خلال عشرات اللجان الشبابية والتطوعية المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
وإيمانا بدور الشباب ، وحرصا على هذه الفئة الفاعلةو المهمة، توفر الجمعية مساحة ينعمون فيها، ذكوراً وإناثاً، بالحماية والاعتراف بمكانتهم، وينالون فيها الاحترام والتقدير لمساهماتهم وابداعاتهم، ويتمتعون بشعور عميق بالانتماء والولاء لوطنهم وقيمه.
وتوفر الجمعية للمتطوعين، عبر اللجان التطوعية، فرصاً متكافئة لإبراز طاقاتهم وإبداعاتهم، في مجال تقديم الخدمات الإنسانية لشعبهم، وتمكنهم من تعزيز قدراتهم النفسية والاجتماعية، كمواطنين غيورين على وطنهم، ومساهمين في تنمية مجتمعهم.