دير بلوط- سليم وصدام وعائشة، ووالدتهم ووالدهم أم وابو سليم، خمسة أفراد تجمعهم أسرة منكوبة صحيا في بلدة دير بلوط، قضاء سلفيت، يعانون بشكل جماعي من مرض السكري، ويواجهون ما يرافقه من مشاكل صحية.
بيت العائلة، أشبه بعيادة صحية: الأدوية، وشرائح قياس السكري في كل مكان، والأكياس الطبية ترافق الأبناء الذين يعانون من ضعف شديد في الرؤية أينما ذهبوا، ويتابعهم الأب الضرير، والأم المريضة، وعمليات فحص الضغط والسكري تتواصل على مدار اليوم.
وباتت العائلة، ضيفا اعتياديا على المستشفيات في الضفة الغربية، ومسافراً دائم الترحال إلى المراكز والمستشفيات في الأراضي المحتلة عام 48، وباتت أوراق تحويلاتهم، ومعاملات أدويتهم وعلاجهم، مستندات دائمة الحضور على مكاتب الدوائر الرسمية.
ومنذ ظهور اعراض السكري على أطفاله الثلاثة، باتت حياة أبو سليم الضرير، مرتبطة بعلاج أبنائه وعنايتهم الصحية، وأُجبر على تحمل تكاليف علاجهم، ما أضطره إلى بيع أرضه، لتغطية تكاليف الدواء، التي تقارب الستة آلاف شاقل شهريا وفق ما يقول.
وطيلة هذه السنوات، بات أبو سليم وأبناؤه عاجزين عن تغطية تكاليف المراجعات الكثيرة للأطباء، وحتى تكاليف المواصلات للعيادة الطبية في بلدتي رافات وبديا المجاورتين، فناشد المسؤولين لدعمه ومساعدته.
جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، استجابت لاستغاثة أبو سليم، وبادرت إلى تزويده بالأدوية المتوفرة لديها، وتنظيم زيارات دورية للعائلة في منزلها، وإجراء الفحوصات لأفرادها، وإعطاء التعليمات والإرشادات الطبية اللازمة.
ووفر برنامج الزيارات المنزلية، الذي تنفذه دائرة الرعاية الصحية الأولية في الجمعية، بدعم من الصليب الأحمر الإسباني، عناء التنقل بأبنائه، الذين يعانون جملة من الأمراض الصحية إلى العيادت والمشافي، ووفروا عليهم ثمن الأدوية والمستلزمات الطبية.
ومنذ عام تقريبا، تغادر الممرضة حنين البرغوثي، عيادة الرعاية الصحية التابعة للهلال، في بلدة بديا، وتحمل معها 'شرائح السكري'، 'والسرينجات'، وكميات كبيرة من الأدوية، وتتوجه إلى منزل عائلة أبو سليم، وهناك تجري العديد من الفحوصات لأفراد العائلة جميعا، فالسكري يرتفع مرارا وينخفض أخرى، والضغط دائم الارتفاع والهبوط، مرورا بصدام وعائشة وسليم، ووصولا لوالديهما، إضافة لتقديمها الإرشادات الصحية والطبية لهم'.
يقول أبو سليم، الذي جاوز الخمسين عاما، ويعاني من السكري والضغط وانعدام البصر: 'قبل عشرين سنة قال لي أحد الأطباء إن اولادي معاهم السكري، ومن يومها وأنا بعاني معهم، وبدفع تكاليف علاجهم، عشان هيك بعت أرضي قبل ثلاثة عشر عاما'.
وأشاد بدور الهلال الأحمر الفلسطيني الذي وفر عليه عناء التنقل بين المستشفيات والعيادات منذ عام تقريبا، لافتاً إلى أن الإرشادات الطبية التي تقدمها الجمعية ساعدته في تنظيم أوضاع الأسرة صحيا، وتجنب الممارسات التي تؤثر على صحة أبنائه سلبيا.
وأضاف: 'الهلال الأحمر دايّرين بالهم عليّ، وساعدوني كثير، وجابولي دوا، ووفروا علي مشاوير السيارات، وتكاليف المستشفيات، وأنا بطلب من المؤسسات إنها تسوي مثلهم، وتوقف إلى جانب عيّلتي وولادي'.
وهو ما اكدته زوجته، التي تعاني من السكري أيضا، والتي كانت دائمة التنقل لإحضار الأدوية والإبر لأبنائها، وقالت: ' طول اليوم وأنا رايح جاي، هميّ أحافظ على صحتي، وهمي الأكبر أحافظ على صحة ولادي، وجوزي الضرير'.
جميع أفراد العائلة لا يغامرون بالخروج من المنزل لفترة طويلة، تفاديا لأي مضاعفات صحية، وفق ما قاله الإبن الأكبر سليم، الذي بالكاد يبصر من تأثير السكري عليه، 'بنقدرش نطلع خارج البيت، لأنه ممكن تداهمنا المضاعفات أي وقت، والهلال الأحمر وفر علينا الخروج، وأجا لعنا ع البيت'.
مشاكل شقيقه صدام، ذهبت بعيدا إلى التأثير على الكلى، ما تطلب رعاية مضاعفة، ارتفاع وهبوط في السكري، يقابله آخر في الضغط، ما تطلب عناية مكثفة من طاقم الهلال الأحمر، الذي يتابع حالته أولا بأول.
وحول جدوى الزيارات المنزلية التي تقوم بها، أشارت الممرضة البرغوثي إلى أنها تزود العائلة بالأدوية المتوفرة في الهلال الأحمر، إضافة إلى إجراء الفحوصات اللازمة، وإعطائهم الإرشادات الطبية، حول طريقة استخدام الدواء والوقاية من ما يمكن أن يؤثر في حالتهم الصحية.
وقالت: 'أزور العائلة بشكل دوري، وأجري الفحوصات الطبية، لكل العائلة، من الأب وصولا إلى الإبن الأصغر صدام، السكري والضغط دائم الارتفاع والهبوط، وأنا دائم النصيحة لهم، كي يحافظوا على صحتهم، وأزودهم بالإرشادات الطبية الكفيلة بذلك'.
وحول ما حققته مع العائلة بعد عام من الزيارات المنزلية، والتي تتكرر مع أكثر من ثلاثين مريضا في المنطقة، قالت: 'لهذه الأسرة وضع خاص، حيث أن كل أفرادها مرضى، وأشعر أني ساعدتهم، سلوكهم الصحي بات أكثر توازنا، إلى جانب توفير كلفة زيارات الطبيب وبعض الأدوية'.
من جانبه أشار د. صالح أبو عباة، منسق برنامج الأمراض المزمنة والزيارات المنزلية، إلى أن البرنامج بدأ منذ العام 2007، ويستهدف أصحاب الأمراض المزمنة، ممن يعانون من صعوبة التنقل، ومراجعة العيادات الطبية.
وقال: 'بدأنا بتنفيذ البرنامج منذ العام 2007، ونقوم بزيارات منزلية للمرضى، لإجراء الفحوصات وتزويدهم بالأدوية وإعطائهم الإرشادات الطبية اللازمة، وتقوم طواقمنا بعمل نحو الثلاثة آلاف زيارة منزلية في العام الواحد.
وأضاف أبو عباة، أن الزيارات تستهدف مرضى السكري، والضغط، والجلطات، والأورام، والفشل الكلوي، إلى جانب المسنين، وأن البرنامج ينفذ في عشر مناطق في الضفة الغربية، وهي جبع، بدو، بديا، طوباس، سلواد، بني نعيم، بيت فجار، حلحول، وعرابة.