"أختي تغيرت حياتها بشكل كبير، صارَّت توقف على الحيط، وتنزل على الدرج، بدون ما يساعدها حدا، وأهم إشي إنه صارت تطالب بحقوقها، وتحس إنو هيه شخص مهم في العيلة والمجتمع"، بهذه الكلمات وصفت بتول صافي ابنة العشرة أعوام، حال شقيقتها ساجدة من بلدة بيت سوريك شمال غرب القدس، بعد خضوعها للتأهيل على يد كوادر برنامج التأهيل المتنقل التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وأضافت: "تحسن وضعي أختي كثير، وصارت أحسن من أول، وصارت تقدر تعبر عن حالها، وتطالب بحقوقها، مثلها مثل كل أفراد العيلة".
واستفادت ساجدة، ابنة الثلاثة عشر عاما، وتدرس في الصف السابع في مدرسة بنات بيت سوريك، وتعاني من عدة إعاقات في الحركة والنطق، من برنامج التأهيل المتنقل التابع للهلال الأحمر، حيث خضعت على مدار شهرين، لعلاج وظيفي وطبيعي، وعلاج نطق، وقدمت لها الجمعية أجهزة مساندة.
ولم يقتصر علاج ساجدة، على الجانب الجسدي، بل تجاوز ذلك لخضوعها لجلسات توعية وتثقيف في مجال الإعاقة وحقوق ذوي الإعاقة، أسفرت عن الكشف عن شخصية متميزة تستطيع الدفاع عن حقوقها، والمطالبة بحقها في حياة كريمة.
وتقول ساجدة التي أصرت على الحديث بالرغم من صعوبة نطقها: "الهلال ساعدوني أعبر عن حالي كثير منيح، عرفت إنه إلي حقوق، ولازم أطالب فيها في البيت والمدرسة والشارع، وصرت أطالب بحقي في الوجود".
وأشارت إلى أنها أيضا أصبحت تشارك في كل الفعاليات في أماكن تواجدها، وتمارس الرياضة، وتستخدم الكمبيوتر، إلى جانب قدرتها الآن على الوقوف على الحائط، دون مساعدة أحد، واعتمادها على نفسها في كثير من الأعمال.
وهو ما أكدته مديرة مدرستها، كوثر عطية بالقول: "تغيرت شخصية ساجدة كثيرا، وبدأت تعرف أن لها حقا في الكلام والمطالبة بحقوقها، وهي تعبر عما بداخلها الآن بكل جرأة، وكانت تطلب مني ما تريد بكل صراحة".
وأضافت: "في أحد المواقف دخلت علي المكتب، وقالت لي أن من حقها أن تستخدم الحاسوب كالآخرين، وأن على المسؤولين إيجاد حل لها كي تصعد للطابق الثالث وتستفيد من مختبر الكمبيوتر الواقع هناك، أسوة بزملائها".
أثر التأهيل المتنقل لم يقتصر على ساجدة فقط، بل تعدى ذلك لمحيطها بكل تفاصيله، وهو ما تشير إليه زميلتها في الصف أمل خالد التي قالت: "تعامل العاملون في الهلال مع ساجدة كإنسانة، وهذا أهم شيء، وهي صديقتنا ونحبها كثيرا".
ووصفت زميلتها هديل عبد حال ساجدة بالقول: "أنا بحب ساجدة كثير، وعاشت معي من الصف الأول، وأنا اشكر الهلال لأنه ساعدها، لأنها لم تكن تبخل علينا في المساعدة، وهي الآن أفضل من قبل بشكل كبير".
وحول مدى تدخل طواقم التأهيل التابعة للهلال، أشارت منسقة الفريق في منطقة القدس، ليزا كراجة إلى أنه تم العمل مع ساجدة وفق ثلاثة تخصصات: العلاج الوظيفي والعلاج الطبيعي والنطق، إلى جانب التوعية والتثقيف".
وقالت: "عمل معها اختصاصي العلاج الطبيعي على العضلات الكبيرة، والمشي والحركة، كي تقف وتمارس العديد من الأعمال، بينما الوظيفي على العضلات الدقيقة، ومهارات الرسم ومسك القلم، وعلاج النطق على مساجات الفم للسيطرة على الحركات اللاإرادية".
وأشارت إلى أن اختصاصي التوعية عمل معها على تقبل الذات، ومهارات التعبير والقدرة على المطالبة بحقوقها وفهمها كواحدة من ذوي الإعاقة، وتم العمل مع زملائها ومعلماتها وذويها لمدة شهرين، إلى جانب دمجها في العديد من الأنشطة في المدرسة والمجتمع.
وعن البرنامج بينت كراجة إلى أنه يأتي في إطار برامج التأهيل المتنقل التي تنفذها الجمعية، وأنها عملت وزملاؤها في مناطق شمال غرب وشرق القدس وأريحا منذ العام 2009، وقدمت المساعدة لنحو 1284 حالة، ونفذت 14282 جلسة تأهيلية متخصصة وزودت المنتفعين بـنحو 210 ادوات مساعدة بالاضافة الى تنظيم العديد من الانشطة الترفيهية لكبار السن والاطفال المعوقين واسرهم الى جانب تنظيم انشطة توعوية حول الاعاقة وحقوق المعوقين في العشرات من المدارس في المناطق المستهدفة انتفع منها5800 طالب وطالبة من المدارس العامة.
ولم يقتصر عمل البرنامج في منطقة القدس وأريحا، بل كان استمرارا لبرامج أخرى تم تنفيذها في الضفة والقطاع، وهو ما تشير إليه سهير بدارنة، القائم بأعمال مدير دائرة التأهيل في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، التي قالت: "هذا البرنامج الذي نفذ في شمال وشرق القدس وأريحا والأغوار بدعم من الاتحاد الأوروبي وحكومة بلدة "خونتا كاستيلا لمانشا" الإسبانية من خلال الصليب الأحمر الإسباني."
وأضافت: "يندرج هذا البرنامج في إطار برامج التأهيل المتنقل، التي أطلقتها الجمعية بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، والحواجز والجدار، ليستهدف المناطق النائية والمهمشة، والتي يصعب على قاطنيها الوصول إلى مراكز المدن بسهولة".
وقالت أيضا "إن البرنامج ضم أيضا سبع فرق تأهيل متنقلة، نشطت في مناطق شمال الضفة الغربية، ونابلس، وجنين، ووسط الضفة، والخليل، وغزة، وتناول العديد من الاختصاصات واستفاد منها عشرات الحالات كحالة الطفلة ساجدة".
قد تكون ساجدة لم تستطع الوصول إلى مراكز الهلال الأحمر في رام الله والقدس، نتيجة لحصار بلدتها بفعل الجدار والحواجز، إلا أن أطقم التأهيل المتنقلة وصلتها وغيرت حياتها لتصبح أكثر سهولة ومتعة، ما انعكس ايجابا على محيطها في البيت والمدرسة.