بقلم: سايمن ديلورم، متطوع في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني
لم يلق مركز الدعم النفسي-الاجتماعي، التابع لجمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، عام 2006 الدعم المطلوب من سكان البلدة القديمة في الخليل، بسبب تباين ارائهم حول الجدوى من هذا البرنامج.
غير أن المركز قطع شوطاً كبيراً من ذلك الوقت، فغداة سنوات طويلة من الجهود وأنشطة المناصرة بات هؤلاء الشباب الذين كانوا يرمون الحجارة على المركز فيما مضى في عداد متطوعي المركز اليوم كما أضحى المركز جزءاً لا يتجزأ من محيطه وبات يلعب دوراً لا غنى عنه على صعيد التخفيف من معاناة آلاف الشباب الفلسطينيين.
ويعقّب موسى أبو جرايش، الذي يشغل منصب مدير المركز، وهو من كبار مناصري الأنشطة النفسية الاجتماعية في مدينة الخليل على ذلك قائلاً: "يخاف النشء الفلسطينيون من المستوطنين ويعتبر المركز واحداً من أكثر الأماكن أمناً في البلدة القديمة". ورغم أن موسى لا يتقن سوى اللغة العربية إلا أن ذلك لم يحل دون أن يطلعنا على القصص والمعلومات، قائلاً: "يقوم المركز بتجميع أطفال الخليل ويوفر لهم بيئة هادئة لمشاهدة التلفاز واللعب والرسم والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، كما يتيح في الوقت نفسه لطاقمنا فرصة للقيام بعمله". وما يقصده موسى عندما يتحدث عن "العمل" هي حملات الإرشاد والتوعية التي ينظمها المركز، إذ تلقى موظفو المركز الثمانية والمتطوعون الثلاثون العاملون فيه، التدريب لتمكينهم من توفير الإرشاد النفسي الاجتماعي بهدف تغيير نظرة الأطفال للأمور وتقليص حالة القلق لديهم، كما يقدمون العلاج النفسي بالمجان للأفراد وللمجموعات وينظمون حلقات العمل وأنشطة تستهدف مجموعات النشء.
والخليل، التي يقطنها نحو 250 ألف فلسطيني، هي خير مدينة فلسطينية تتيح الحصول على صورة حقيقية عما يعنيه الاحتلال الإسرائيلي في واقع الأمر، إذ يتحصن في قلب بلدتها القديمة ما بين 400 و500 مستوطن إسرائيلي يحميهم الجنود الإسرائيليون. ويشكل العنف والخوف والترهيب بعضاً من خصائص حياة الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة H2 الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، التي يسرح المستوطنون فيها ويمرحون ويعتدون على الفلسطينيين لفظياً وجسدياً ويكتبون شعارات مليئة بالكراهية على الجدران ويلقون بالقمامة على المارين.
ويضيف موسى قائلاً: "إن الشباب الذين يرتادون المركز يعانون من القلق ومن اضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة أحياناً، فالترعرع في بيئة كهذه يؤثر بالتأكيد في صحتهم النفسية وفي علاقاتهم مع الآخرين وعلى طريقة تكيفهم مع الواقع". وموسى محق بالتأكيد، إذ ازداد عدد الشباب الذين يرتادون المركز على نحو كبير منذ افتتاحه وذلك بسبب كل هذه المشاكل، فارتفع عدد المرتادين من بضعة مئات خلال السنوات الأولى إلى قرابة 12 ألف شاب استفادوا من خدمات المركز خلال السنة الماضية.
وبغية مساعدة هؤلاء الأطفال، لا يكفي توفير ملاذ آمن لهم يمكّنهم من التنفيس عن حالة الإحباط التي يعانون منها، وإنما يتعين على المركز أن يمد يده ليصل إلى المجتمع المحلي أيضاً، لذا فقد بدأ طاقم المركز بالعمل مباشرة مع أطفال المدارس في الصفين الخامس والسادس الابتدائي ومع معلميهم، فوفروا لهم الخدمات نفسها المقدمة في المركز، كما دربوا المعلمين على استخدام أساليب جديدة للتعامل مع تلاميذهم. ويسعى هذا البرنامج الذي يشمل حالياً 13 مدرسة في الخليل، إلى تحقيق الأهداف الثلاثة الرئيسية التالية: بناء الثقة، واللعب الآمن، وتعزيز التسامح. وقد تجلت بعض من ثمار البرنامج ومن نتائجه، إذ يقول موسى:" إن علامات التلاميذ المدرسية تحسنت بينما قلت مستويات القلق العام لديهم". ولا يشكل هذا البرنامج سوى واحداً من الأساليب التي يستخدمها مركز الدعم النفسي الاجتماعي لبلوغ المجتمعات المحلية، كما يعمل في الوقت نفسه على تيسير التواصل بين ذوي التلاميذ الذين يعانون من اضطرابات وبين سائر المنظمات العاملة في هذا المضمار، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتعزيز كفاءة الخدمات الاجتماعية في محافظة الخليل، ولمد ذوي الأطفال بالقدر الأقصى من الدعم الممكن. ويتمثل جانب آخر من هذه الجهود في إرسال العاملين الاجتماعيين من المركز إلى الفروع الصغيرة في المحافظة، بغية الوصول إلى القرى والمناطق النائية التي قلما تنتفع بمثل هذه الخدمات.
إن الحياة ليست سهلة في الخليل، فمشاعر الإحباط والخوف والغضب والقلق والحزن مترسخة في نفوس الشباب الفلسطينيين القاطنين في المدينة، لأن كل ما في منطقة H2 تقريباً يذكرهم بأنهم يعيشون تحت الاحتلال. ورغم أن مركز الدعم النفسي الاجتماعي التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لا يمكنه تغيير المعطيات الأساسية في المنطقة، إلا أنه موجود للإسهام في تخفيف جزء من معاناة السكان.