الخليل- تبذُل طواقم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة الخليل، جهودا مضاعفة، ويدخل مسعفوها ومتطوعوها في مخاطر كبيرة، لتقديم العون والمساعدة الإنسانية للعائلات الفلسطينية في حي تل الرميدة وسط مدينة الخليل.
ويبدو هذا الحي للعيان سجنا كبيرا محاطا بالمنازل التي استولى عليها المستوطنون من كل جانب، تحيط به البوابات والحواجز والأسلاك الشائكة، ويمنع المواطنون من الدخول والخروج إليه دون تصريح أو تنسيق يستغرق أياما طويلة.
ويتعرض سكان تل الرميدة يوميا لعشرات الإعتداءات من المستوطنين، وتتعرض سيارات الإسعاف التي تتداعى لمساعدة المواطنين هناك لرمي الحجارة من قبلهم، ويتعرض طاقمها للضرب والتنكيل والتأخير على الحواجز.
وسط هذه الظروف المعيشية الصعبة، والإعتداءات المتواصلة، تعيش الحاجة مديحة أبو هيكل (70 عاما) وعائلتها في حصار مطبق، حيث لا يستطيع المواطنون من المحيط في البلدة القديمة من الخليل من التواصل معها أو مع جيرانها.
وعلى بعد أمتار فقط، من منزل الحاجة أبو هيكل يستولي المستوطنون على منازل مجاورة، في ما يسمى بمستوطنة "رمات يشاي"، ويحرسهم عشرات الجنود، ويحاصرون عائلة أخرى وسط المستوطنة هي عائلة أبو عيشة.
حياة أبو هيكل، تلخصها دموعها التي ترافق الكلمات، فتتحدث عن مضايقات يومية يشنها المستوطنون وأبناؤهم بمساعدة الجنود، فيحطمون النوافذ، ويثقبون خزانات المياه، ويخربون شبكات الصرف الصحي.
وتضيف أنها وتسعة آخرون يعيشون في المنزل، يخضعون لتدابير خاصة، وضعها الإحتلال ومستوطنوه، منها غرفة كاملة في المنزل يمنع عليهم دخولها، وأخرى تمنع إضاءتها، وباقي أجزاء المنزل محظور عليها الترميم والتطوير.
وبلغت حياة أبو هيكل وأبنائها وأحفادها حدا كبيرا من المعاناة، أجبرهم على العودة إلى أدوات الحياة القديمة، فباتوا مضطرين لاستخدام "بوابير الكاز"، حيث يمنع دخول أي كان من بوابة المنزل الرئيسية، فيما يرفض كثرون الوصول إليه عبر الطريق الالتفافية.
وتعاني الحاجة أبو هيكل من أمراض مزمنة، تستدعي تدخلا طبيا وإنسانيا مستمرا، يبذل متطوعو ومسعفو الهلال الأحمر الفلسطيني جهودا مضنية من أجل تأمينه لها، رغم تعرضهم للإعتداء في مرات كثيرة سابقة.
وتقول الحاجة أبو هيكل: "لولا جماعة الهلال الأحمر الفلسطيني كان أنا تركت الدار من زمان، ولا كان صرت مدفونة تحت التراب، الله يخليهم، الله يطول عمارهم، ما بقصروا وما بتأخروا عنا في كل مرة بنطلبهم".
وتواصل: "أنا دايما بكون بحاجة رعاية طبية، وفي فحص طبي دوري لازم أعمله، كانوا ييجوا يوخدوني، ومرة ضربوا علينا المستوطنين حجار، مع إنه في تنسيق، وطبشوا سيارة الإسعاف، ومع هيك ما قدروا يأثروا على شباب الهلال، وبعدهم بيجوا لعندنا".
وتمضي الحاجة أبو هيكل واصفة دور طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني في المدينة في تخفيف معاناتها وبلسمة جراحها بالقول: "الهلال الأحمر واقفين جنبي، إلهم فضل كبير كثير علي، بخاطروا بحياتهم، بوقفوهم المستوطنين، وبضربوهم بالحجار، ومع هيك ما بخافوا ولا بيترددوا عن تقديم الخدمة إلي ولعيلتي".
وتروي ابنتها هالة أبو هيكل قصة اعتداء المستوطنين على سيارة الإسعاف التابعة للهلال الأحمر في شهر نيسان من العام الماضي، حيث كانت في طريق العودة من المستشفى إلى المنزل، بعد إجراء كافة التنسيقات اللازمة عن طريق الصليب الأحمر.
وتقول: "كنا في طريق العدوة إلى البيت، توجهنا للحاجز العسكري، وبعد نصف ساعة من التأخير، دخلنا في سيارة الإسعاف، وبعد ثلاثة حواجز في الطريق إلى البيت، اعترضنا المستوطنون وحاولوا فتح أبواب سيارة الإسعاف".
وأضافت : "ألقوا الحجارة على السيارة، واخترق حجر كبير الزجاج الخلفي، وكانت حياتنا في خطر شديد، لولا شجاعة ضباط الإسعاف، الذين استطاعوا إخراجنا من المكان بأعجوبة لا توصف، وإيصالنا للمنزل".
وأثنت الإبنة أبو هيكل على جهود كوادر الهلال الأحمر الذين يخترقون حصار الإحتلال للمنطقة، ويقدمون الإسعافات والخدمات الإنسانية، ويقطعون مسافات طويلة على أقدامهم، بين الأشجار ليلا من أجل بلسمة جراحهم".
وإلى جانب الهلال الأحمر أشادت أبو هيكل بالجهود التي يبذلها موظفو وكوادر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في التنسيق لمرور سيارات الإسعاف وتنقل العائلة وسط هذا الحصار المحكم، مشيرةً إلى سرعة تجاوبهم.
الدكتور حجازي أبو ميزر، مدير خدمات الإسعاف والطوارئ في فرع الهلال الأحمر بالخليل، وصف وضع الحاجة أبو هيكل بالقول: "تسكن في منطقة جيرانها كلهم مستوطنون، وهي مريضة وكبيرة في السن، عندها أمراض السكري والضغط والقلب، وتنقل للمستشفى بشكل دائم ومتواصل، ونجري لها فحوصات طبية أسبوعية وشهرية".
وأضاف: "لا نستطيع دخول المنطقة إلا بعد التنسيق مع الصليب الأحمر الدولي، والذي يأخذ بالعادة قرابة نصف الساعة في الأحوال العادية، إلا أن الإحتلال يتعمد التاخير دائما، ومع التنسيق إلا أننا نتعرض للرجم بالحجارة من المستوطنين".
ضابط الإسعاف عيد أبو منشار، تعرض وزميله محمد الجعبري لإلقاء الحجارة، وتكسرت سيارة الإسعاف التي كانوا فيها في أحد المرات خلال نقلهم للحاجة أبو هيكل، إلى جانب معيقات كثيرة تعرضا لها في أكثر من مرة.
ويروي أبو منشار حادثة الحجارة بالقول: "كانت الحاجة أبو هيكل معنا بالسيارة، وسارت سيارة شرطة إسرائيلية أمامنا، واعترضنا المستوطنون، وضربونا بالحجارة، ما ادى إلى تكسير الزجاج الخلفي".
وأضاف: "مرة أخرى كان زملائي ينقلونها في حالة طارئة، وتعرضت السيارة لإلقاء الحجارة داخل الحي، ودخلت إلى داخل حجرة الإسعاف"، ولفت إلى أنه في مرة أخرى تم الإعتداء على حفيدة الحاجة أبو هيكل بالضرب والتنكيل.
وختم أبو منشار بالقول إنابة عن زملائه: "بالرغم من المخاطرة الكبيرة، والإعتداءات المتواصلة، إلا أننا لن نتردد في تقديم العون لعائلة أبو هيكل، ولكل من يطلبها في حي تل الرميدة، وسنبقى على تواصل معهم".
وأضاف أبو منشار أن الجمعية تقوم بخدمات الإسعاف الوطنية بناء على مرسوم رئاسي عام 1994، وتدير ستة وثلاثين مركز إسعاف وطوارئ في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
يذكر أن ممارسات جنود الاحتلال ومستوطنيه بحق عائلة أبو هيكل يعد مخالفا للقوانين الدولية كما هو حال الاستيطان بشكل عام، حيث أن منع سلطات الإحتلال الإسرائيلي مرور الإمدادات الغذائية والطبية وغيرها من ضروريات سكان الإقليم المحتل يخالف التزامات دولة الاحتلال الإسرائيلي الناشئة عن المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة، كذلك ألزمت المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة دولة الاحتلال بتقديم الإمداد الغذائي والطبي لسكان الإقليم المحتل بوصفهم سكان مدنيين تحت الاحتلال هو التزام أصيل على عاتق المحتل.
ويقول خبير القانون الدولي الإنساني معتصم عوض: "إن ممارسات سلطات الإحتلال الإسرائيلي في منطقة تل رميدة في الخليل تعد خرقاً واضحاً لأهم قواعد القانون الدولي الإنساني التي كفلت حماية الطواقم الطبية المكلفة بالبحث عن المرضى والجرحى والمنكوبين، و إجلائهم، ونقلهم، وتشخيص حالتهم، وعلاجهم، وتقديم الإسعافات الأولية لهم"
وأضاف: "كذلك احترام كرامة وحياة السكان المدنيين زمن الاحتلال الحربي. فهي تعد خرقا للمادة رقم 20 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تضمن حماية واحترام الموظفين المختصين بالبحث عن المرضى والجرحى المدنيين، وجمعهم ونقلهم ومعالجتهم، والمادة رقم 63 من إتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على وجوب تمكين الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من مباشرة أنشطتها الإنسانية في ظل التدابير المؤقتة والاستثنائية التي تفرضها الاعتبارات القهرية لأمن دولة الاحتلال".
وأشار عوض إلى أن المادتان رقم 12 و15 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 على " وجوب احترام وحماية الوحدات الطبية في كل وقت، وألا تكون هدفا لأي هجوم، والسماح لها بالوصول إلى أي مكان لا يستغنى عن خدماتها فيه دون أي عائق".
حكاية أبو هيكل، ليست سوى واحدة من عشرات الحكايات، التي يعيشها الفلسطينيون في ظروف مأساوية جدا، ويتعرضون فيها لاعتداءات متواصلة من المستوطنين، وتحاول الهلال الأحمر بلسمة جراحهم والتخفيف من معاناتهم.