دعاء عابد
لم تستطع منال غبن (42عاما) أن تخفي دموعها الممتلئة بحزن دفين، لطالما صاحبها في معركتها مع الحياة ونال من سعادتها، وشاركها آلامها وآمالها خلال أيام سفرها التي قضت لياليها في المشافي، متمسكةً بأيدي أبنائها لتعلمهم حب الحياة رغم معاناتهم، إنها أم فلسطينية يعاني أبناؤها الأربعة من مرض فقر دم البحر الأبيض المتوسط، المعروف علمياً "بالثلاسيميا".
عبد الكريم، ومنار، وشموع وأحمد غبن، أربعة أطفال لم يتجاوز عمر أصغرهم سنة ونصف السنة، مصابون بمرض الثلاسيميا ويعرف بأنها حالة مرضية ينخفض فيها مستوى الهيموجلوبين في الدم عن معدله الطبيعي، لذلك يتم نقل دم للمصاب باستمرار، حياة هؤلاء الأطفال و صفت " بالصعبة ".
وتقول غبن: "أبنائي بحاجة للعلاج العاجل لأن مرضهم أرهقنا مادياً ونفسياً، ووضعنا الاقتصادي صعب بالكاد نتمكن من توفير قوت يومنا، ولا نقدر كعائلة على تحمل تكاليف علاجهم"، متمنية من الله عز وجل أن يمن عليهم بالشفاء.
وأوضحت: "أن مرض أبنائها انعكس سلباً على حياة العائلة اليومية، سواء من الناحية الصحية أو النفسية، على الرغم من محاولتها التأقلم مع مرضهم وتوفير مستلزمات العلاج لهم، وقالت: "لدي مرضى وأعيش في عزلة عن الناس، وأفكر بأولادي دائماً ".
وأشارت إلى أنها مرت خلال المرحلة الأولىمن مرض أبنائها بحالة نفسية صعبة نتيجة التراكمات اليومية التي عانت منها خلال مصاحبتها أبنائها إلى المشافي في غزة وخارجها، حتى شاركت في جلسات الدعم النفسي لأهالي مرضى السرطان ,والامراض المستعصية الاخرى التي تنظمها دائرة الصحة النفسية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ووصفتها "بالمريحة نفسيا"، لأنها "تشعرك أن هناك إنسانا يشاركك آلامك، حيث يرشدنا الاختصاصيون فيها عن كيفية التعامل مع أبنائنا المرضى".
يقول رضوان حلاوين الاختصاصي النفسي في دائرة الصحة النفسية :" دعونا السيدة غبن للمشاركة في الجلسات التي نعقدها لهؤلاء الأسر لمساعدتهم في تخطي المعاناة التي يعيشونها، و بدأت تتحدث عن همومها ومشاكلها بارتياح وتتفاعل في التدريب بعد صمتها الطويل".
لم تختلف حالة غبن عن حالة زميلتها في جلسات التفريغ النفسي نوال غباين (42 عاما ) فكلاهما يحتاج لمساندة لكي تستطيعا مواصلة حياتهما والتعايش مع مرض أولادهما، فنوال لديها سبعة أطفال يعاني أوسطهم علي "16 عاما " من مرض السرطان، وخضع لعملية استئصال الورم و ما زال يخضع للعلاج الكيميائي.
ووصفت غباين جلسات الدعم النفسي " بالمفيدة"، قائلة " أنا كنت منعزلة واشعر بحزن ، وبعد مشاركتي في جلسات الدعم النفسي في الجمعية تعلمت الصبر ومواجهة المرض، خاصة بعد سماعي عن معاناة السيدات المشاركات في الجلسة".
وتعبر غباين عن سعادتها قائلة :" عندما أرى سيارة الهلال الأحمر الفلسطيني تنتظرني للذهاب للجلسة أشعر بفرحة كبيرة لأن هناك من يهتم بي ".
ويقول الاختصاصي حلاوين:" نركز في الهلال الأحمر على أهالي مرضى السرطان الذين لا يقل احتياجهم للدعم النفسي عن أطفالهم"، موضحا أن عملهم مع هذه الفئة ينقسم إلى قسمين، الأول الأهالي أنفسهم، والثاني أطفالهم المرضى، ويتم دمجهم في المجموعات تدريجيا في بعض الأنشطة لبناء علاقات قوية و لمساندة بعضهم.
و بعيدا عن أجواء المشافي التي يعتبرونها جزء من معاناتهم النفسية ، يقول حلاوين:" من الجميل أن تصنع لهم عالما جميلا حتى و لو ليوم واحد، مضيفا "نعمل على دراسة احتياجاتهم لنتعرف على طبيعة المشاكل التي يعانون منها و بعد بناء الثقة بيننا وبينهم خلال الجلسات نحاول وضع الحلول لها معا ". وبين أن المجموعة بالعادة تكون صغيرة لضمان التفاعل والتعامل مع كافة المشاكل خلال 12 لقاء ثم يتم متابعتهم بشكل فردي، منوهاً لوجود عدد من المجموعات يتم التعامل معها في مراكز الجمعية بقطاع غزة .