بقلم رائد النمس:
روان النجار التي تبلغ من العمر عشر سنوات، لن يستطيع احد محو تفاصيل ذلك اليوم الدامي من ذكرياتها البريئة، فأثناء الاجتياح العسكري لقوات الاحتلال الإسرائيلي لبلدة خزاعة شرق خانيونس، أصابت إحدى القذائف جزءاً من منزل عائلتها، وأصبح البيت، الذي كان آمنا منذ ساعات خطرا على حياتها و على من معها من أشقائها.
كان آخر ما سمعته روان هو صوت دوي انفجار هائل، غابت بعده عن الوعي بعد وقوع بعض من ركام المنزل على جسدها الصغير، مسببا لها كسرا في الجمجمة، ونزيفا في الرأس، وجروحا بالغة في أنحاء مختلفة من جسدها.
حملتها والدتها.. صرخت فيها أن تجيبها.. توسلت إليها أن تفيق من جديد، لكنها لم تستجب، ظنت بأنها فارقت الحياة، فاستنجدت بزوجها، الذي كان يتناوب في إخراج أبنائه الباقين من تحت الركام، ليحتضن روان ودموعه تنهمر، لتختلط مع دمائها التي سالت على وجنتيها.
تقول والدتها أم محمد( 51 عاما): "نقلناها إلى المستشفى الأوروبي، وهناك تبين بأنها لازالت على قيد الحياة، ولكن حالتها بالغة الخطورة، تضرعنا جميعا إلى الله أن يمن علينا بشفائها، لتعود تغرد من جديد، وتملأ علينا المنزل بضحكاتها وحركاتها الطفولية".
مكثت هناك ستة أيام، ثم نصح الأطباء والديها بالتوجه لقسم التأهيل الطبي في مستشفى الأمل التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في خانيونس، لحاجة روان لرعاية خاصة في العلاج الوظيفي والطبيعي والنفسي في آن واحد .
آية كلاب وهي اختصاصية أخصائية علاج طبيعي في قسم التأهيل الطبي، تقول: "استقبلنا الطفلة روان وهي تعاني من ضعف في العضلات السفلية والعلوية، ومشكلة في التوازن والوقوف والمشي، إضافة لورم حول العينين، وصدمة نفسية بالغة".
مكثت روان في قسم التأهيل الطبي قرابة شهرين، حرص خلالها الاختصاصيون على وضع خطة علاج سريعة تتضمن تنفيذ العلاج الوظيفي والطبيعي والنفسي، تخلله برنامج مكثف من أنشطة القراءة والرسم، والألعاب الحركية، إلى جانب جلسات العلاج الطبيعي، ولقاءات دعم نفسي، كان محصلته، عودة روان من جديد إلى حياتها الطبيعية، وتمكنها من الحركة والمشي، وتجاوز الحالة النفسية والصحية التي كانت تعاني منها.
د. وائل مكي، مدير مستشفى الأمل يقول: "قسم التأهيل الطبي التابع للمستشفى هو الوحيد في قطاع غزة، الذي يقدم خدمات التأهيل الطبي للمرضى والمصابين الذين يعانون من إعاقات دائمة ومؤقتة في قطاع غزة، خصوصاً بعد تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى الوفاء الواقع شمال قطاع غزة، الذي كان يشاركنا في تقديم هذه الخدمة الطبية".
افتتحت الجمعية قسم التأهيل الطبي في شهر مايو من العام 2013،ليقدم الكثير من برامج التأهيل الطبي التي تستهدف حالات ما بعد إصابات الحبل الشوكي، والتعرض للجلطة الدماغية، وإصابات الرأس والبتر.
ويهتم الأختصاصيون هناك إلى جانب العلاج طبيعي والوظيفي، بالعناصر السلوكية والنفسية التي تؤثر في التعامل الإيجابي مع المرضى، بعيداً عن العلاج الدوائي، و العمل على تغير روتين حياة المصابين، والتقليل من شعورهم بالنقص، وإتاحة الفرصة لمنافسة الآخرين والدمج في المجتمع.
روان واحدة من مئات الأطفال الذين تعرضوا للإصابة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فطبقا لإحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية فان 30% ممن تعرضوا لإعاقات جسدية خلال الحرب هم من الأطفال، وهذا بدوره يزيد من المسؤلية الملقاة على عاتق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تجاه هؤلاء الأطفال، فحرصت أطقم الجمعية النفسية والمجتمعية والصحية على تقديم البرامج الإنسانية اللازمة للدفع باتجاه تأهيلهم من جديد، للتخفيف من معاناتهم، ودمجهم في المجتمع.
بعد شفاء روان ومغادرتها التأهيل الطبي بكامل صحتها تقول بابتسامة طفولية: "لم أكن استطيع الوقوف والمشي في السابق، أما الآن فأنا اركض وألعب مع صديقاتي في المدرسة، لن أنسى فقرات اللعب والرسم وقراءة القصص أثناء وجودي في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني". تتسع ابتسامتها وتضيف: "لقد شعرت أثناء وجودي في التأهيل الطبي بأنني في منزلي، سأشتاق حتما للأوقات الجميلة هناك".
انتهى.