غزة: صالح النعامي
عبثا حاول غسان النعيمات تهدئة روع ولده أحمد، 6 سنوات، وإقناعه بالبقاء في البيت، عندما أرخى ليل أول من أمس سدوله، وأصر الطفل على أن يذهب مع أمه ووالده للمبيت عند عمته عطاف، التي تقطن منطقة بركة الوز، القريبة.
فأحمد الطالب في الصف الأول الابتدائي يؤكد لوالديه أن سقف المنزل سينهار عليه في تلك الليلة، فلم يكن أمام غسان إلا أن يذهب هو وجميع أفراد أسرته الأربعة للمبيت لدى شقيقته الكبرى. ويقول غسان لـ«الشرق الاوسط»، إن أحمد استيقظ في ليلة الأحد الماضي فزعاً بعد أن وقعت النافذة على رجله وهو نائم، بعد أن قصفت طائرات الـ«أف 16» النفاثة العسكرية مركزاً للشرطة قريبا من البيت، الأمر الذي جعل نوافذ البيت تتطاير في كل جانب، فظل أحمد يبكي حتى انبلج الفجر، وهو يؤكد أنه لن يقضي الليل في البيت بعد ذلك. ما يكابده ماجد الحناجرة المحاضر الجامعي مع نجله عبيدة، 4 سنوات، لا يقل صعوبة عما يواجهه غسان مع نجله أحمد. وكما قال ماجد لـ «الشرق الأوسط»، فإنه بمجرد أن يسمع عبيدة صوت الطائرات الإسرائيلية تحلق في السماء حتى يرتجف ويظل يبكي وهو يحاول إخفاء رأسه بكفيه، وفي بعض الأحيان يطلب من أمه أن تدخله الى خزانة الملابس. واضاف أن عبيدة انتكس وأخذ يتبول على نفسه تبولاً لا ارادياً، ناهيك من إصراره على النوم بين ابيه وأمه. لكن ليس الأطفال وحدهم هم الذين يصابون بالرعب وتتدهور أوضاعهم النفسية جراء القصف، قال اسامة سليمان الذي يقطن مخيم المخازي لـ«الشرق الاوسط»، إن زوجته التي تبلغ من العمر 37 عاماً تنهار نفسياً كلما سمعت صوت طائرات الـ«أف 16» تخترق حاجز الصوت، وتصبح عاجزة عن الكلام. وتابع القول إن وضع زوجته أصبح مصدر مشكلة للعائلة كلها.
من ناحيته قال الدكتور سمير قوته، استاذ علم النفس في الجامعة الإسلامية، إنه حدث ارتفاع كبير في عدد أولياء الأمور الذين توجهوا لمراكز الصحة النفسية في القطاع للاستفسار عن كيفية معالجة أعراض التدهور النفسي لدى أطفالهم، الناجم عن أصوات الانفجارات الهائلة التي هزت مدن وبلدات ومخيمات اللاجئين في القطاع. وأشار قوته في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الى الأعراض النفسية التي ظهرت على أطفال غزة جراء الشعور بالرعب والخوف الناجم عن القصف المتواصل، الذي يتمثل في التبول اللاارادي وقضم الأظافر والخوف من الليل، على اعتبار أنه مصدر الخوف والفزع، والكوابيس الليلية المخيفة وآلام جسمية غير معروفة السبب، والبكاء والانطواء. وتوقع قوته أن يتطور لدى الأطفال الفلسطينيين المزيد من مظاهر التدهور النفسي، مثل أظهار نوع من العنف في التعامل مع زملائهم، فضلاً عن عدم القدرة على التركيز، وتدهور مستواهم التعليمي.
وأشار قوته الى أن الطفل الفلسطيني، الذي يتعرض للتجارب الصادمة من خلال عمليات القصف يصبح أقل طاعة لوالديه، الى جانب أنه يفقد القدرة على التعامل معهما بانفتاح. واكد أن الذي يزيد الأمور خطورة هو حقيقة أن الكثير من أولياء الأمور في الغالب لا يولون أهمية لبروز هذه المظاهر، ولا يسعون الى معالجتها، بل ان منهم من يعمل على زيادة تدهور أوضاع ابنائه، من خلال تعنيفهم لاطفالهم الذين تبدو عليهم مظاهر الخوف. وتوقع قوته ان تتفاقم أوضاع الأطفال في غزة جراء عمليات القصف والتوغل الإسرائيلي. وأكد أنه خلال عمليات التوغل والقصف، التي سبقت التهدئة ازداد عدد الأطفال الذين اصيبوا بصدمات نفسية بنسبة 30%، مشيرا الى أن حوالي 50% من الأطفال مصابون بصدمات نفسية من دون أن يعي ذووهم ذلك. وما يزيد الامور تعقيداً من وجهة نظره، هو المشاهد التي يراها الاطفال على شاشات التلفزة، والتي تزيد من نسبة الضغوطات النفسية التي يعيشونها.